قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
77835 مشاهدة print word pdf
line-top
أثر الأحاديث المكذوبة على معتقدات المتصوفة

...............................................................................


قد مر بنا أن هذه الوصية الكبرى كانت موجهة لتلاميذ وأتباع الشيخ عدي بن مسافر وهؤلاء يغلب عليهم مذهب التصوف, أو يقربون منه, فخاف عليهم شيخ الإسلام أن يدخل عليهم هذا اللبس وأن يتمكن منهم, وأن تغلب عليهم تلك الأحوال وتلك الإرادات التي يعملون بها, فوجه إليهم هذه النصيحة.
من جملة ما يخوض فيه الصوفية ما يسمونه: بالحال أو بالفناء, يؤول بهم هذا الأمر إلى عقيدة الوحدة, وحدة الوجود, وهو اعتقادهم أن الخالق حال في المخلوق, وهي من أخبث العقائد, وأبعدها عن العقول.
ومن جملة ما ينكر عليهم التصديق بالأحاديث المكذوبة, والتي يقلبون بها أمرهم, والتي يروجون بها على أتباعهم, ويقعون بها في التشبيه والتمثيل, ويفترون على الله تعالى, مر بنا أحاديث مكذوبة تروج فيما بينهم, ويصدق بها الجهلاء, مثل الحديث الذي فيه: أن الله ينزل يوم عرفة ينزل عشية عرفة عليه جبة صوف, يصافح الركبان, ويعانق المشاة. هذا من الكذب والبهتان.
ومن الأحاديث التي ذكروا: أن الله ينزل عشية عرفة على جمل أورق, والأحاديث التي فيها: أن الله ينزل ويسير في الأرض، فإذا رأوا أرضا مخضرة, قالوا: هذا أثر قدميه‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌ا, ويستدلون بقوله: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ وما علموا أن المراد برحمة الله المطر, آثار رحمته: النبات، ويستدلون بهذه الأحاديث على أن الله يمكن أن يرى في الدنيا, أن تراه الأعين، وهذا خلاف معتقد أهل السنة، ويصل بهم الأمر إلى أنهم يعتقدون أن من رأى الله تعالى في الدنيا وكلمه فإنه تسقط عنه التكاليف، ويؤذن له بأن يفعل ما يريد، وأن يشرع للناس ما لم ينزل به سلطانا.
فكل ذلك بلا شك من الأكاذيب, وقع الخلاف في النبي صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة الإسراء؟ فأنكرت ذلك عائشة ولما سئلت قالت للسائل: لقد قف شعري من كلمتك. ولما سألوها عن قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قالت: أنا سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت جبريل في صورته مرتين يعني هذه المرة التي في سورة التكوير وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ والتي في سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى فإن الكلام على جبريل في سورة النجم عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى أي: هو جبريل عليه السلام، وفي سورة التكوير: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ المراد به جبريل
وأما الحديث الذي فيه قوله: إني رأيت ربي في أحسن صورة, وإنه وضع كفه على صدري حتى وجدت برد أنامله في صدري إلى آخره, فهو حديث صحيح, ولكنها رؤيا منام، ومعلوم أن رؤيا المنام يتخيل فيها الرائي ما يراه وما يتخيله, ولكن لا تدل على أن هذا حقيقة الشيء, أو ذلك الشيء الذي رئي أنه على هذه الهيئة والكيفية؛ فلذلك يقال: لا يجوز أن يمثل الله تعالى بأنه على شكل كذا, وعلى صفة كذا وكذا, فإن ذلك تكييف، والله تعالى لا تبلغه الأوهام والظنون, ولا تكيفه الظنون, وهو أعلى من أن تصل إليه أو إلى معرفته الأفهام، وقد قال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا .
فإذا عرف المؤمن أن هذه الأحاديث لا أصل لها صار على صواب, وصار على الأحاديث الصحيحة, التي في إثبات صفة الله تعالى, وليس فيها شيء مما ينافي العقول, مثل أحاديث النزول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ومثل حديث النزول عشية عرفة إن الله ينزل عشية عرفة إلى السماء الدنيا، وأنه يباهي بعباده الملائكة نزول يليق به, ولم يتكلم العلماء في كيفية هذا النزول, ولم يقولوا: إنه يخلو منه العرش أو لا يخلو, ولا أنه تحصره السماء الدنيا أو لا, الله أعلم بكيفية ذلك, لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ والآن نقرأ من حيث وصلنا.

line-bottom