شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
أثر الأحاديث المكذوبة على معتقدات المتصوفة
...............................................................................
قد مر بنا أن هذه الوصية الكبرى كانت موجهة لتلاميذ وأتباع الشيخ عدي بن مسافر اسم> وهؤلاء يغلب عليهم مذهب التصوف, أو يقربون منه, فخاف عليهم شيخ الإسلام أن يدخل عليهم هذا اللبس وأن يتمكن منهم, وأن تغلب عليهم تلك الأحوال وتلك الإرادات التي يعملون بها, فوجه إليهم هذه النصيحة.
من جملة ما يخوض فيه الصوفية ما يسمونه: بالحال أو بالفناء, يؤول بهم هذا الأمر إلى عقيدة الوحدة, وحدة الوجود, وهو اعتقادهم أن الخالق حال في المخلوق, وهي من أخبث العقائد, وأبعدها عن العقول.
ومن جملة ما ينكر عليهم التصديق بالأحاديث المكذوبة, والتي يقلبون بها أمرهم, والتي يروجون بها على أتباعهم, ويقعون بها في التشبيه والتمثيل, ويفترون على الله تعالى, مر بنا أحاديث مكذوبة تروج فيما بينهم, ويصدق بها الجهلاء, مثل الحديث الذي فيه: أن الله ينزل يوم عرفة اسم> ينزل عشية عرفة اسم> عليه جبة صوف, يصافح الركبان, ويعانق المشاة. هذا من الكذب والبهتان.
ومن الأحاديث التي ذكروا: أن الله ينزل عشية عرفة اسم> على جمل أورق, والأحاديث التي فيها: أن الله ينزل ويسير في الأرض، فإذا رأوا أرضا مخضرة, قالوا: هذا أثر قدميها, ويستدلون بقوله: رسم> فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ قرآن> رسم> وما علموا أن المراد برحمة الله المطر, آثار رحمته: النبات، ويستدلون بهذه الأحاديث على أن الله يمكن أن يرى في الدنيا, أن تراه الأعين، وهذا خلاف معتقد أهل السنة، ويصل بهم الأمر إلى أنهم يعتقدون أن من رأى الله تعالى في الدنيا وكلمه فإنه تسقط عنه التكاليف، ويؤذن له بأن يفعل ما يريد، وأن يشرع للناس ما لم ينزل به سلطانا.
فكل ذلك بلا شك من الأكاذيب, وقع الخلاف في النبي صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة الإسراء؟ فأنكرت ذلك عائشة اسم> ولما سئلت قالت للسائل: لقد قف شعري من كلمتك. ولما سألوها عن قوله تعالى: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قرآن> رسم> قالت: أنا سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسم> رأيت جبريل اسم> في صورته مرتين متن_ح> رسم> يعني هذه المرة التي في سورة التكوير رسم> وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قرآن> رسم> والتي في سورة النجم: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قرآن> رسم> فإن الكلام على جبريل اسم> في سورة النجم رسم> عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى قرآن> رسم> أي: هو جبريل اسم> عليه السلام، وفي سورة التكوير: رسم> إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ قرآن> رسم> المراد به جبريل اسم>
وأما الحديث الذي فيه قوله: رسم> إني رأيت ربي في أحسن صورة, وإنه وضع كفه على صدري حتى وجدت برد أنامله في صدري متن_ح> رسم> إلى آخره, فهو حديث صحيح, ولكنها رؤيا منام، ومعلوم أن رؤيا المنام يتخيل فيها الرائي ما يراه وما يتخيله, ولكن لا تدل على أن هذا حقيقة الشيء, أو ذلك الشيء الذي رئي أنه على هذه الهيئة والكيفية؛ فلذلك يقال: لا يجوز أن يمثل الله تعالى بأنه على شكل كذا, وعلى صفة كذا وكذا, فإن ذلك تكييف، والله تعالى لا تبلغه الأوهام والظنون, ولا تكيفه الظنون, وهو أعلى من أن تصل إليه أو إلى معرفته الأفهام، وقد قال تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> .
فإذا عرف المؤمن أن هذه الأحاديث لا أصل لها صار على صواب, وصار على الأحاديث الصحيحة, التي في إثبات صفة الله تعالى, وليس فيها شيء مما ينافي العقول, مثل أحاديث النزول: رسم> إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر متن_ح> رسم> ومثل حديث النزول عشية عرفة اسم> رسم> إن الله ينزل عشية عرفة اسم> إلى السماء الدنيا، وأنه يباهي بعباده الملائكة متن_ح> رسم> نزول يليق به, ولم يتكلم العلماء في كيفية هذا النزول, ولم يقولوا: إنه يخلو منه العرش أو لا يخلو, ولا أنه تحصره السماء الدنيا أو لا, الله أعلم بكيفية ذلك, رسم> لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> والآن نقرأ من حيث وصلنا.
مسألة>